( الرجل الذى عرف ربه )
كان الرجل مريضا بمرض عضال لا يعرف له علاجا فكلما جلس فى مكان .
قال له الناس ::--
>>>>>( رائحتك )<<<<<
كريهة 0 ألا تستحم ؟!؟!
وتردد على الأطباء وفحص الأنف والجيوب والحلق والأسنان واللثة والكبد والأمعاء 0 وكانت النتيجة 0
لا مرض فى أى مكان بالجسد ولا سببا عضويا مفهوم لهذه الرائحة 0
و كان يتردد على الحمام عدة مرات فى اليوم ويغتسل بأغلى العطور فلا تجدى هذه الوسائل شيئا 0
ولا يكاد يخرج إلى الناس حتى يتحول إلى قبر منتن يهرب منه الصديق قبل العدو 0
وذهب يبكى لرجل صالح 0 وحكى له حكايته فقال الرجل الصالح 0 هذه ليست رائحة جسدك 0
ولكن رائحة أعمالك 0
فقال الرجل مندهشا :--
>>>( وهل للأعمال رائحة ؟ )<<<
فقال الرجل: تلك بعض الأسرار التى يكشف عنها الله الحجاب 0
ويبدو أن الله أحبك وأراد لك الخير وأحب أن يمهد لك الطريق إلى التوبة 0
فقال الرجل معترفا: أنا بالحق أعيش على السرقة والاختلاس والربا وأزنى وأسكر وأقارف المنكرات0
قال الرجل الصالح: وقد رأيت فهذه رائحة أعمالك 0
قال الرجل : وما الحل ؟
قال الصالح: الحل أصبح واضحا، أن تصلح أعمالك وتتوب إلى الله توبة نصوحا 0
وتاب الرجل توبة نصوحا و اقلع عن جميع المنكرات ولكن رائحته ظلت كما هى 0
فعاد يبكى إلى الرجل الصالح 0 فقال له الرجل الصالح :-
لقد أصلحت أعمالك الحاضرة ، أما أعمالك الماضية فقد نفذ فيها السهم 0 ولا خلاص منها إلا بمغفرة .
قال الرجل :--
>>>( وكيف السبيل إلى مغفرة ؟ )<<<
قال الصالح :---
إن الحسنات يذهبن السيئات فتصدق بمالك 0 والحج المبرور يخرج منه صاحبه مغفور الذنوب .
كيوم ولدته أمه فاقصد الحج 0 واسجد لله 0 وابك على نفسك بعدد أيام عمرك 0
وتصدق الرجل بماله وخرج إلى الحج 0 وسجد فى كل ركن بالكعبة وبكى بعدد أيام عمره 0
ولكنه ظل على حاله تعافه الكلاب وتهرب منه الخنازير إلى حظائرها 0
فآوى إلى مقبرة قديمة وسكنها وصمم ألا يبرحها حتى يجعل الله له فرجا من كربه 0
وما كاد يغمض عينيه لينام حتى رأى فى الحلم الجثث التى كانت فى المقبرة تجمع أكفانها وترحل هاربة 0
وفتح عينيه فرأى جميع الجثث قد رحلت بالفعل وجميع اللحود فارغة 0
فخر ساجدا يبكى حتى طلع الفجر فمر به الرجل الصالح 0
وقال له :-
هذا بكاء لا ينفع فإن قلبك يمتلئ بالاعتراض0 وأنت لاتبكى اتهاما لنفسك بل تتهم العدالة الإلهية فى حقك 0
قال الرجل :-- لا أفهم !!
قال الصالح :--
هل ترى أن الله كان عادلا فى حقك ؟
قال الرجل : لا أدرى ؟!؟!
قال الصالح :--
بالضبط 0 إن عدل الله أصبح محل شبهة عندك 0 وبهذا قلبت الأمور فجعلت الله مذنبا وتصورت نفسك بريئا 0
وبهذا كنت طول الوقت تضيف إلى ذنوبك ذنوبا جديدة فى الوقت الذى ظننت فيه أنك تحسن العمل 0
قال الرجل :--
>>>( ولكنى أشعر أنى مظلوم )<<<
قال الصالح :--
لو اطلعت على الغيب لوجدت نفسك تستحق عذابا أكبر ولعرفت أن الله الذى ابتلاك لطف بك 0
ولكنك اعترضت على ما تجهل واتهمت ربك بالظلم 0 فاستغفر وحاول أن تطهر قلبك وأسلم وجهك 0
فإنك إلى الآن ورغم حجك وصومك وصلاتك وتوبتك لم تسلم بعد 0
قال الرجل :--
كيف 0 ألست مسلما ؟!
قال الصالح :-
نعم لست مسلما ، فالإسلام هو إسلام الوجه قبل كل شئ 0 وذلك لا يكون إلا بالقبول وعدم الاعتراض
والاسترسال مع الله فى مقاديره وبأن يستوى عندك المنع والعطاء ،
وأن ترى حكمة الله ورحمته فى منعه كما تراه فى عطائه ،
فلا تغتر بنعمة ولا تعترض على حرمان فعدل الله لا يتخلف ،
وهو عادل دائما فى جميع الأحوال ورحمته سابغة فى كل ما يجريه من مقادير فقل لا إله إلا الله ثم استقم 0
>>>( وذلك هو الإسلام )<<<
قال الرجل :-
>>>( إنى أقول لا إله إلا الله كل لحظة )<<<
قال الصالح: تقولها بلسانك ولا تقولها بقلبك ولا تقولها بموقفك وعملك0
قال الرجل : كيف ؟
قال الصالح: إنك تناقش الله الحساب كل يوم وكأنك إله مثله0
تقول له استغفرت فلم تغفر لى0 سجدت فلم ترحمنى 0 بكيت فلم تشفق على 0
صليت وصمت وحججت إليك فما سامحتنى 0 أين عدلك ؟
وربت الرجل الصالح على كتفيه قائلا : - يا أخى ليس هذا توحيدا 0
التوحيد أن تكون إرادة الله هى عين ما تهوى وفعله عين ما تحب وكأن يدك أصبحت يده ولسانك لسانه 0
التوحيد هو أن تقول نعم وتصدع بالأمر مثل ملائكة العزائم دون أن تسأل لماذا0
لأنه لا إله إلا الله 0 لا عادل ولا رحمن ولا رحيم ولا حق سواه 0 هو الوجود وأنت العدم 0
فكيف يناقش العدم الوجود 0 إنما يتلقى العدم المدد من الوجود ساجدا حامدا شاكرا 0
لأنه لا وجود غيره 0 هو الإيجاب وما عداه سلب 0 هو الحق وما عداه باطل 0
فبكى الرجل وقد أدرك أنه ما عاش قط وما عبد ربه قط 0
قال الصالح :-
الآن عرفت فالزم 0 وقل لا إله إلا الله 0 ثم استقم 0 قلها مرة واحدة من أحشائك 0
فقال الرجل :-
>>>( لا إله إلا الله )<<<
فتضوع الياسمين وانتشر العطر وملأ العبير الأجواء وكأن روضة من الجنة تنزلت على الأرض 0
وتلفت الناس 0 وقالوا :--
من هناك :--
>>>( من ذلك الملاك الذى تلفه سحابة عطر ؟؟؟ )<<<
قال الرجل الصالح :--
>>>(((( بل هو رجل عرف ربه )))<<<
د/ مصطفى محمود
=============
===